#الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْروٍ الدَّوْسِي #الشهيدُ وأبو الشهيد سيد قبيلة دوس في الجاهلية وشريف من أشراف العرب المرموقين وواحد من أصحاب المروءات المعدودين لا تنزل له قدر عن نار ولا يوصد له باب أمام طارق يطعم الجائع ويؤمن الخائف ويجير المستجير وهو إلى ذلك أديب أريب لبيب شاعر مرهف الحس رقيق الشعور بصير بحلو البيان ومُره غادر الطفيل منازل قومه في تهامة إلى مكة ورحى الصراع دائرة بين الرسول الكريم وكفار قريش كلٌّ يريد أن يكسب لنفسه الأنصار ويجذب لحلفه الأعوان فالرسول يدعو لربه وسلاحه الحق والإيمان وكفار قريش يقاومون دعوته بكل سلاح ووسيلة ويصدون عن سبيله الناس ووجد الطفيل نفسه يدخل في هذه المعركة على غير أُهبة ويخوض غمارها عن غير قصد فهو لم يقدم لمكة لهذا الغرض ولا خطر له أمر محمد وقريش قبل ذلك على بال ومن هنا كانت للطفيل مع هذا الصراع قصة لا تنسى وحكاية من أعجب الحَكَايَا فَلْنَسْتَمِعْ إليها فهي لَعَمْرُ الله من غرائبِ القَصَص حدث الطفيل قال قدمتُ مكة فما إنْ رآني سادة مكة حتى جاءوا إلي فرحبوا بي أكرم ترحيب وأنزلوني فيهم أعز منزل ثم اجتمع سادتهم إلي وقالوا يا طفيل إنك قدمتَ مكة وهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قد أفسد أمرنا وشتت شملنا وفرق جماعتنا ونحن إنما نخشى أن يحل بك وبزعامتك وقومك ما قد حل بنا فلا تكلم الرجل ولا تَسْمَعَنَّ منه شيئاً فإن له قولاً كالسحر يفرق بين الرجل وأبيه وبين الأخ وأخيه وبين الزوجة وزوجها وما زالوا بي يقصون علي من غرائب أخباره وعجائب أفعاله ويخوفونني على نفسي وقومي حتى أجمعت أمري ألا أكلمه ولا أسمعن منه شيئاً ولما غدوت إلى المسجد للطواف بالكعبة والتبرك بأصنامها التي كنا إليها نحج حشوت في أُذُنَيَّ قطن خوفاً من أن يلامس سمعي شيئاً من كلام محمد لكني ما إن دخلت المسجد حتى رأيته يصلي صلاةً غير صلاتنا ويتعبد عبادةً غير عبادتنا فأسرني منظره وهزتني عبادته ووجدت نفسي أدنو منه شيئاً فشيئاً على غير قصد مني حتى أصبحت قريباً منه وأبى الله إلا أن يصل إلى سمعي شيء من كلامه فسمعتُ كلاماً حسناً فقلتُ في نفسي ثَكِلَتْكَ أُمُّك يا طفيل إنك لرجل أديب لبيب شاعر وما يخفى عليك الحسن من القبيح فما يمنعك أن تسمع من الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته وإن كان قبيحاً تركته ثم مكثت حتى انصرف النبي إلى بيته فتبعته فما إنْ دخل داره حتى دخلت عليه وقلت يا محمد إن قومك قالوا لي عنك كذا وكذا ووالله ما برحوا يخوفونني من أمرك فسددت أُذُنَيَّ بقطن حتى لا يصل إلي شيء من كلامك فأبى الله إلا أن يسمعني منه فاعرض علي أمرك فعرض علي الإسلام وقرأ علي الإخلاص والفلق فوالله ما وجدت كلاماً أحسن منه ولا رأيت أمراً أعدل من أمره فبسطت إليه يدي وشهدتُ أن لا إلاه إلا الله وأن محمداً رسول الله قال الطفيل ثم مكثت في مكة زمناً أتعلم فيه أُمور الإسلام وأحفظ فيه ما تيسر لي من القرآن ولما عزمت على العودة إلى قومي قلت يا رسول الله إني امرؤ مطاع في عشيرتي وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام فادْعُ الله أن يجعل لي آية تكون لي عوناً على ما أنا داعيهم إليه فقال صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل له آية فخرجت حتى إذا كنتُ في مكان مشرف على منازلهم وقع نور ما بين عيني كالمصباح فقلت اللهم اجعله في غير وجهي أخشى بذلك أن يظنوا أنها عقوبة لمفارقة دينهم فتحول النور ووقع في رأس سوطي فجعل الناس يتراؤون ذلك النور في رأس سوطي كالقنديل المعلق وأنا أهبط إليهم من الثَّنِيَّة فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخاً كبيراً فقلت إليك عني يا أبي فلستُ منكَ ولستَ مني فقال ولِمَ يا بني فقلتُ لقد أسلمتُ واتبعت دين محمد فقال لي أَيْ بُنَي ديني دينُك فقلتُ اذهب واغتسِل وتعال لأعلمك أمور الإسلام فذهب واغتسل فعرضتُ عليه الإسلام فأسلم ثم جاءت زوجتي فقلتُ لها إليكِ عني فلستِ مني ولستُ منْكِ فقالت ولِمَ بأبي أنت وأمي فقلت فرق بيني وبينَكِ الإسلام فقد أسلمتُ واتبعت دين محمد قالت فَدِينِي دينُك قلتُ فاذهبي وتطهري من ماء ذِي الشَّرَا وهو صنم حوله ماء يهبط من الجبل قالت بأبي أنت وأمي أتخشى على الصبية شيئاً من ذي الشرا قلتُ تباً لكِ ولذي الشرا قلتُ لكِ اذهبي وتطهري هناك بعيداً عن الناس وأنا ضامن لكِ ألا يفعل هذا الحجر شيئاً فذهبت واغتسلت ثم جاءت فعرضتُ عليها الإسلام فأسلمت ثم دعوت دوساً فأبطؤوا علي إلا أبا هريرة فقد كان أسرعهم إسلاماً فجئتُ رسول الله ومعي أبو هريرة فقال ما وراءك يا طفيل فقلت قلوب عليها أكنة وكفر شديد لقد غلب على دوسٍ الفسوق والعصيان فقام رسول الله وتوضأ ثم صلى ورفع يده إلى السماء وقال اللهم اهْدِ دَوساً اللهم اهْدِ دَوساً اللهم اهْدِ دَوساً ثم قال ارجع إلى قومك وارفق بهم فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضت بدر وأحد والخندق فقدمتُ عليه ومعي ثمانون بيتاً من دوسٍ قد أسلموا وحسن إسلامهم فسر بنا النبي وأسهم لنا مع المسلمين من الغنائم فقلنا يا رسول الله اجعلنا ميمنتك في كل غزوة تغزوها واجعل شِعارَنا مبرور ولم أزل معه حتى فتح الله عليه مكة فقلتُ يا رسول الله ابعثني إلى ذِي الكفين صنمِ عمْروِ بن حَمَمَة كي أحرِقه فأذن له النبي فسرَا إليه بسرية من قومه فلما هم بإحراقه اجتمع حوله النساء والأطفال والرجال يتربصون به الشر وينتظرون أن تصعقه صاعقة إنْ هو نال ذَا الكفين بضر لكنه تقدم على مرأً من الحضور وهو يضرم النار في فؤاد ذي الكفين ويرتجز يا ذَا الْكَفَّيْنِ لَسْتُ مِن عُبَّادِك مِيْلَادُنَا أَقْدَمُ مِن مِيلَادِك إنِّي حَشَوْتُ النَّارَ في فُؤادِك وما إن التهمت النار الصنم حتى التهمت معها ما تبقى من الشرك في دوس فأسلموا وحسن إسلامُهم وظل الطفيل بعد ذلك ملازماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض الحبيب وانتقل إلى جوار ربه الكريم ولما آلت الخلافة إلى أبي بكر الصديق جعل الطفيل نفسه وسيفه وولده في طاعته ولما نشبت حروب الردة نفر الطفيل في طليعة جيش المسلمين لحرب مسيلمة الكذاب ومعه ابنه عمرو وفيما هو في طريقه إلى اليمامة رآى رؤيا فقال لأصحابه إني رأيت رؤيا فعبروها لي قالوا وما رأيت قال إني رأيت شعر رأسي يحلق وطائراً يخرج من فمي وامرأة أدخلتني في بطنها وابني يطلبني حثيثاً ولكنه حيل بيني وبينه فقالوا له خيراً إنْ شاء الله قال أما أنا فوالله لقد أولتها أما الحلق فهو أن رأسي يقطع وأما الطائر فهي روحي والمرأة هي الأرض تدفنني في جوفها وإني لأرْجُ الله أن أقتل شهيداً وأما ابني فيطلب الشهادة ولكنه يدركها فيما بعد وفي معركة اليمامة أبلى الصحابي الجليل بلاءاً عظيماً حتى خر صريعاً شهيداً على أرض المعركة وأما ابنه عمروٌ فما زال يقاتل حتى أثخنته الجراح وقطعت يده اليمنى فعاد إلى المدينة مخلفاً على أرض اليمامة أباه ويده وفي خلافة عمر بن الخطاب دخل عليه عمرو بن الطفيل فأُتِيَ الفاروق بطعامٍ والناس جلوس عنده فدعا القوم إلى طعامه فتنحى عمرو بن الطفيل فقال له عمر مالك لعلك تأخرت عن الطعام خجلاً من يدك فقال أجل يا أمير المؤمنين فقال عمر والله لا أذوق هذا الطعام حتى تخلطه بيدك المقطوعة والله ما فينا أحد بعضه في الجنة إلا أنت يقصد يده التي قطعت في المعركة وظل حلم الشهادة يلوح لعمروٍ منذ فارق أباه فلما كانت معركة اليرموك بادر إليها عمرو مع المبادرين وما زال يقاتل حتى نال الشهادة التي مَنَّاهُ بِها أبوه رحم الله الطفيل بن عمروٍ وابنه فهو الشهيد وأبو الشهيد كَتَبَهَا الْعَبْدُ الفَقِيرُ إلى رَحْمَةِ رَبِّه حَسَنُ بْنُ ماهِرِ بْنِ عَلِيٍّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِمَنْ عَلَّمُوه