مقدمة في التقنيات المساعِدة
اقتبس من د. أحمد عبد الظاهر في 21 ديسمبر، 2018, 11:49 صالتقنيات المساعدة للمكفوفين وضعاف البصر.
***********************
قل، ذوي الحقوق الخاصة.
ولا تقل ذوي الاحتياجات الخاصة.
فلنا حقوق، نطلبها بقوة الحق وليس بخجل الاحتياج.
د. أحمد عبد الظاهر
الخبير بالشؤون التربوية والتكنولوجية للمكفوفين.
***********************
محاضرة بتاريخ:
9-10-2018
محاضرة بعنوان
مقدمة عن التقنيات المساعدة للمكفوفين وضعاف البصر.
بسم الله الرحمن الرحيم.
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد.
تُعتبر التكنولوجيا الحديثة بلا منازع أهم سمات العصر الذي نعيش فيه، وهي على تنوُّعِها لا تكاد تُغفِلُ مجالا من مجالات الحياة، ومن تلك المجالات التي تعد مؤشرا لتحديد مستوى تقدُّم هذا المجتمع أو ذاك، مجال رعايةْ المكفوفين، حيث تضع الدول المتقدمة رعاية المعاقين بشكل عام والمكفوفين بشكل خاص، تضعها ضمن أولوياتها سعيا وراء ما ينشُدُه المكفوفون من الاستقلالية والمشاركة الفعالة والفاعِلة في مجتمعاتهم.
وقد نتج عن تلك الجهود تغيُّر كبير في واقع الكفيف الذي يستخدم التقنيات الحديثة، حيث أصبح من اليسير جدا التفريق بين الكفيف الذي يستخدم التقنيات الحديثة في حياته اليومية وغيره من المكفوفين الذين حالت ظروفهم دون ذلك، وعلى ذكر العلاقة بين تمكين المكفوفين ودرجةْ تقدُم المجتمعات؛ يشهد التاريخ بعض الإرهاصات الهامة التي تؤكد الارتباط الطردي بين تقدُّم المجتمع والاهتمام بتعليم المكفوفين من جانب، والتي تؤكد أيضا أسبقيةْ الحضارة العربية الإسلامية في استخدام الكفيف لِحاسةْ اللمس في القراءة والكتابة قبل لويس برايل من جانب آخر.
حيث يتحدث الصفدي في كتابه، "نكت الهميان في نُكَت العميان"، عن تلك التجربة الرائدة للشيخ زين الدين الأميدي والتي وردت كإحدى التجارب التي تشير بوضوح إلى أسبقية عصره في هذا المجال،
يقول الصفدي:
"كان الشيخ الكفيف زين الدين الأميدي يتجر في الكتب، وله كتب كثيرة جداً وكان إذا طُلِب منه كتاب وكان يعلم أنه عنده نهض إلى خزانة كتبه واستخرجه من بينها كأنه قد وضعه لساعته وإن كان الكتاب يتألف من عدة مجلدات وطُلِب منه الأول مثلاً أو الثاني أو الثالث أو غير ذلك أخرجه بعينه وأتى به. وكان يمس الكتاب أولاً ثم يقول: يشتمل هذا الكتاب على كذا وكذا فيكون الأمر كما قال. وإذا أمر يده على الصفحة قال عدد أسطر هذه الصحيفة كذا وكذا سطراً فيها بالقلم الغليظ كذا وهذا الموضع كتب به في الوجهة فيها بالحمرة هذا وهذا لمواضع كتبت فيها بالحمرة. وإن اتفق أنها كتبت بخطين أو ثلاثة، قال: اختلف الخط من هنا إلى هنا، من غير إخلال بشيء مما يُمتحَن به ويعرف أثمان جميع كتبه التي اقتناها بالشراء وذلك أنه كان إذا اشترى كتاباً بشيء معلوم أخذ قطعة ورق خفيفة وفتل منها فتيلة لطيفة وصنعها حرفاً أو أكثر من حروف الهجاء لعدد ثمن الكتاب بحساب الجمل ثم يلصق ذلك على طرف جلد الكتاب من داخل ويلصق فوقه ورقة بقدره لتتأبد فإذا شذ عن ذهنه كمية ثمن كتاب ما من كتبه مس الموضع الذي علمه في ذلك الكتاب بيده فيعرف ثمنه من تنبيت العدد الملصق فيه. وكان لا يفارق الإشغال والاشتغال أبداً وعنده تودد عظيم في حاله وتؤدة تامة في سائر أموره وحركاته وللناس والحكام والرؤساء عليه إقبال عظيم لخيره وفضله وورعه ودينه وعلمه ونزاهته ومروته وتوفي رحمه الله تعالى بعد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة. بقليل والله سبحانه وتعالى أعلم".
انتهى كلام الصفدي.
ومن الجدير بالذكر أن تلك التجربة هي واحدة فقط من اسهامات الحضارة الإسلامية العديدة التي استفاد منها الغرب الأوروبي في تحقيق المتطلبات التربوية التعليمية للمكفوفين،
حيث ذكر المؤرخون أن الغرب الأوربي "قد استفاد من تلك التجارب التي أنتجتها الحضارة الإسلامية، فقد جرت محاولات في أوروبا لتمكين المكفوفين من تعلم القراءة والكتابة، فاستخدموا في ذلك وسائل أوَّلية مثل الحروف الخشبية المحفورة، والكتابة بالأسلاك والدبابيس، وربط الحروف الخشبية بالأسلاك المعدنية ونحو ذلك. وقد جاءت هذه المحاولات متأخرة عن التجارب الاسلامية في كل من الاندلس والمشرق بعدة قرون، وكانت تقليدا لِتجارب المسلمين السابقة، إذ تمت هذه المحاولات أو معظمها إما في البلاد المجاورة للأندلس مباشرة أو القريبة منها، أي في مجال التأثير الحضاري والثقافي للأندلس مثل: فرنسا وايطاليا وسويسرا.
ومن الجدير بالتأَمُّل، وجود قاسم مشترك بين كافةْ محاولات النهوض بتعليم المكفوفين قديماً وحديثا وصولا إلى استخدام التكنولوجيا المساعدة التي أفرزها العصر الراهن، ويتمثَّل ذلك القاسِم المشترك في استغلال الحواس والقدرات المتبقية للفرد الكفيف، حيث أن إعادةْ توظيف وتنظيم تلك القدرات في اتجاه تعويض حاسةْ البصر يُعد الطريق الوحيد الذي يمكن من خلاله النهوض بحياة الكفيف بكافةْ مناحيها.
فالحواس والقدرات المتبقية للكفيف تبقى دائماً بمنزِلةْ الجسور التي تنتقل عبرها المعارِف والخبرات، وعليه فلا بد من النظر إلى تلك القدرات بواقعية بعيدة عن التهويل أو التهوين، فمن الجدير بالذكر أن هناك اعتقاد سائد أن حواس المكفوفين هي أقوى منها لدى غيرهم كنتيجة مباشرة لِكف البصر، فلا تحتاج للتأهيل أو التدريب، ولكن العلم أثبت غير ذلك، (حيث إن كف البصر لا يتبَعه نمواً طبيعيا، أو زيادة تلقائية في الحواس الأخرى، وما يلاحظ عادة عند المكفوفين من حساسية فائقة في بعض حواسهم إنما يرجع في حقيقة الأمر إلى ما أتيح لهذه الحواس من فرص التدريب، ومن ثم فالتجربة والتركيز ينتجان استعمال أفضل ومهارة أكبر في استغلال الحواس كاللمس أو الشم أو السمع.
ففي مجال الشم تقول هيلين كيلر: إني أعرف بمجرد الشم المنزل الذي أدخله وأستطيع أن أتعرف على منزل ريفي قديم الطراز عن طريق ما تركه السكان الذين توالى سكنهم فيه من روائح الأشياء والعطور والأقمشة وأعرف نوع العمل الذي يقوم به بعض الأشخاص من الروائح العالقة بهم مثل روائح الخشب أو الحديد أو البويات أو العقاقير الطبية، وهكذا أميز النجار من الحداد، والفنان من الكيماوي.
انتهى كلام هيلين كيلر.
فإذا فهِمَ القارئ العزيز الأمر على نحوٍ يحدد كف البصر كإعاقة حسية فقط، وإن قصور تلك الحاسة لا يصحبه بالضرورة زيادة أو نقصان في قدرات الكفيف وخصوصاً العقلية منها، كان لذلك أطيب الأثر في تكوين صورة تختلف عن تلك الصورة النمطية التي يختلط فيها كف البصر بالعجز عن أداء الوظائف العقلية الكثيرة، تلك الصورة التي تنتشِر للأسف الشديد في مجتمعاتنا العربية، حيث يرى البعض أن الكفيف لا يجيد من تلك الوظائف إلا الحفظ فقط، ومن المؤلم جدا أن ذلك الاعتقاد تنبني عليه سياسات تعليمية كاملة موجهة للمكفوفين، وكأن قدرات الكفيف جميعها قد اختزلت في القدرة على الحفظ والتكرار فقط، ما يؤكد أهميةْ وخطورةْ القناعات التي يتبناها مسؤولو المؤسسات التعليمية المعنية بتعليم المكفوفين في رسم السياسات التعليمية التي لا بد أن تُواكِب معطيات العصر من جهة، والتي تُراعي قدرات المتعلم الكفيف من جهة أخرى، وخصوصا القدرات العقلية، فكف البصر لا يعني بالضرورة خللا في الوظائف العقلية للطفل الكفيف، فهو يحمل من القدرات ما يؤهله للعمل الذي يتفق وميوله واستعداداته، وهو قادر على المساهمة في
العطاء والمشاركة في البناء الحضاري والتنموي إذا تم تأهيله التأهيل المناسب، مع التأكيد على أن وسائل التقنيات المساعدة للمكفوفين لا بد أن تُقَدَّم في إطار تفاعلي مع قدراته دونما إغفال لإحدِاها، وتأسيساً على ذلك، سينطلق هذا المُُقَرَّر الذي يتم التركيز فيه على التفاعل العقلي المعرفي بين الكفيف وما تبَقَّى لهُ من قدرات من جانب، ووسائل التكنولوجيا المساعدة من جانب آخر، وإنهُ لَمِن دواعي سروري أَن أُدعَى لتقديم ذلك المحتوى للسادة والسيدات طلاب البعثة التعليمية المتخصصة الهادفة إلى رفع مستوى العملية التعليمية في مدارس النور بوزارة التربية والتعليم المصرية، وسوف يتناول هذا المقرر على قدر الإمكان أهم معطيات التقنيات المساعدة من واقع آخر المستجدات التقنية.
ماهية التكنولوجيا المساعدة.
ذهب الكثيرون إلى وضع تعريفات مختلفة للتقنيات المساعدة المقدمة للمعاقين بشكل عام والمكفوفين بشكل خاص، وهي تتباين فيما بينها من حيث دقة الصياغة والشمول، وقد قرأتها جميعا أو معظمها على الأقل، ما ساعدَني على الذهاب إلى التعريف الإجرائي التالي، انطلاقاً من طبيعة المحتوى الدراسي من جهة، وكَوني أحد مستخدمي التقنيات المساعدة للمكفوفين وأحد المهتمين بتطويرها من جهة أخرى.
وعليه فإن التقنيات المساعدة هي:
"كافةْ الأجهزة، والأدوات، والبرامج، والأنظمة، والتجهيزات المستحدَثة التي يمكن استخدامها بشكلٍ تفاعلي مع القدرات المتبقية للشخص المعاق، بُغيَةْ الحد من الآثار المباشرة للإعاقة، وصولاً إلى درجة من التكيُّف والاستقلالية".
وتُعتبَر التقنيات المساعدة ترجمةً صادقةً لتلك الجهود المتنامية التي تعمل على توجيه قدر كبير من الانجازات العلمية في حياة أُلائِكَ الأفراد الذين نالت منهم الإعاقة بشكلٍ أو بآخر، وبدرجةٍ أو بأخرى، سعياً وراء التخفيف من الآثار المباشِرة للإعاقة وإعادةْ توجيه وتأهيل الفرد المعاق لتحقيق ما تسمح به ظروف إعاقته من إثباتٍ لذاته، وتنمية لمهاراته، وتمكينه من العمل على تحقيق الفائدة لنفسِه ولِمجتَمعِه، ولكي نفهم فوائد استخدام التقنيات الحديثة للفرد الكفيف وضعيف البصر في الجوانب التعليمية والثقافية كموضوعٍ رئيسٍ لهذه المادة العلمية، يجدر بنا الإجابة على السؤال التالي:
ما آثار استخدام التقنيات المساعدة للمكفوفين وضعاف البصر?.
الآثار المترتبة على استخدام التقنيات المساعدة للمكفوفين وضعاف البصر في المجالات التعليمية والثقافية.
1-التحرُّر النسبي من الاعتماد على الآخر.
حيث لم يعُد الكفيف ذلك الفرد الذي يعتمِدُ بشكلٍ حتمي على الآخرين في القراءة والكتابة وما إليها من المهام ذات الشأن، وذلك بفضل استخدامه للتقنيات التي تُسَّهِل عليه ذلك بشكلٍ معقولٍ وآخِذٌ في النماء، وتتوقف درجةْ استقلالية الكفيف على مستوى إجادتِهِ للتقنية من جانب، ودرجةْ تلبية تلك التقنية لِمتطلباتِهِ التعليمية الثقافية من جانب آخر، فلم يصبح من المناسب ذلك النداء الذي طالما كان يتردَّد للتعبير عن أهم احتياجات المكفوفين التعليمية، "مُرافِقاً مُبصِراً لكل كفيف"، بَل أصبح من المناسب جدا رفع الأصوات بطلب حاسب آلي لكل كفيف، ناهيك عن التبعات المادية والمعنوية الكثيرة التي كان الكفيف يتكلفُها في معظم الأحيان جرَّاء اعتمادِهِ الدائم على الغير.
2-تحسين جودة التعليم لأصحاب الظروف البصرية الخاصة.
من المعروف في كافة الأوساط التعليمية على مستوى العالم، أن العملية التعليمية بشكلٍ عام رهينةً بما أفرزهُ العلم الحديث من مستحدثات تعمل على تحقيق أكبر فائدة في أقل وقت وبأقل مجهود، ولم تُستثنى فئة المكفوفين وضعاف البصر من تلك الطفرة التي أدَّت إلى تفوق الكثيرين منهم في مختلف المجالات، ومنهم من تقلَّدَ مناصب كثيرة كانت أبعد ما تكون عن أي كفيف في العالم، ومن ذلك، وزيرةْ مواصلات هولندية سابقة، ووزير داخلية سابق في إنجلترا، وقاضٍ أسباني الخ.
وعليه، فإن جودةْ التعليم مقرونَةً بإتاحةْ الفُرَص للجميع، تدورُ معها حيثما دارَت، فمن المؤكد أن وزير الداخلية الكفيف قد درس العلوم القانونية والمدنية والجنائية وغيرها، ومن المؤكد أيضاً أن وزيرةْ المواصلات الكفيفة قد درستْ العلوم المتصلة بهندسةْ الطرُق والخطوط الملاحية الخ، ومن المؤكد أخيراً أن التعليم التراثي التقليدي لا يمكن وحده تحقيق تعليم أفضل في وقتٍ تتسابق فيه المجتمعات إلى التطوير المستمر في كافة معطيات العملية التعليمية للمعاقين والأصحاء على حدٍ سواء.
3-تنوُّع وسائل اكتساب المعرفة.
وفَّرَت التقنيات الحديثة كثيراً من البدائل الغنية التي تتناسَب ومعظم اختيارات أصحاب الظروف البصرية الخاصة في عملية اكتساب المعارف والخبرات، فمن المعروف أن بعض المكفوفين يُفضِلون اكتساب المعرفة عن طريق الوسائل التي تستخدم حاسةْ اللمس، وغيرهم من المكفوفين لا يستطيع الاستغناء عن الوسائل السمعية، وغيرهم يستطيع الاستفادة من الوسائل السمعية اللمسية.
وليس أدَل على ذلك من كلام الدكتور طَهَ حسين في كتاب الأيام الذي أورد فيه جانِباً من سيرته الذاتية.
يقول طَهَ حسين.
"وأقبل الفتى على الكتابة البارزة يتعلمها، فلم يلبث أن أحسنها، ولكنه عندما حاول أن ينتفع بها في درسه لم يجد إلى الانتفاع بها سبيلًا؛ فلم تكن الكتب التي كان يحتاج إلى قراءتها قد طبعت على هذه الطريقة الخاصة، وكان ربما أتيح له الكتاب المطبوع على هذه الطريقة، فلا يكاد يأخذ في قراءته حتى يضيق بهذه القراءة أشد الضيق، وينفر منها أعظم النفور، فهو قد تعود أن يأخذ العلم بأذنيه لا بأصبعه، وهو من أجل ذلك يجد المشقة كل المشقة في تتبع هذه النقط البارزة حتى يؤلف منها الكلمة، ثم يؤلف من الكلمة وأمثالها جملة، ثم يؤلف من هذه الجملة وأمثالها كلامًا يمكن أن يعمل فيه عقله وفهمه وبصيرته. وإذا هو يجد في ذلك عسرًا أيَّ عسر، ويسأم ذلك أشدَّ السأم وأقساه، ويرى أنه يستطيع أن يحصِّل من طريق أذنيه في اللحظات القصيرة ما يحتاج إلى الوقت الطويل والملل الثقيل ليحصِّله من طريق أصابعه.
انتهى كَلام طَهَ حسين،
وبطبيعةْ الحال، فما ينطبق على المكفوفين، لا يمكن أن ينسحب على ضعاف البصر وهكذا.
4-تنوُّع مصادر المعرفة.
أدت التقنيات المساعدة المقدمة لأصحاب الظروف البصرية الخاصة إلى ذلك الثراء النوعي في مصادر المعرفة، فلم يعُد الأمر مرتكِزاً على المطبوعات الورقية العادية أو التي تطبع بطريقةْ برايل فحسب، بَل تعدَّى الأمر ذلك بكثير جدا، فأصبحت الكتب والمحاضرات والدوريات والمجلات التي تزخَر بها مواقع شبكة المعلومات الدولية internet، أصبحت مُتاحة بصورٍ وصيغٍ عديدة، ومن أمثلةْ تلك الصيَغ:
ملف مُسَجَّل بصوت قارء مبصر يمكن سماعُهُ عن طريق الحاسب الآلي أو أحد الهواتف الذكية، ملف نصي يمكن قراءته بأحد برامج قراءةْ الشاشة للمكفوفين، ملف مُسَجَّل بالصوت والصورة بطريقة تتناسب وقدرات ضعاف البصر، ملف بصيغةْ برايل ليتمكن الكفيف الأصم من قراءته على أحد الأسطر الالكترونية التي سيأتي الحديث عنها لاحقا الخ.
ومن المعروف أن أغلب تلك الصيَغ يمكن تداوُلها وانتشارها بسهولة عبر الكثير من الوسائل المختلفة، ناهيك عن السهولة غير المسبوقة في إتاحةْ الحصول على المعلومات والتحقق منها وتوثيقها، ما يُعدُّ إضافةً خطيرةً تصُّبُ في صالح مستخدمي التقنيات المساعدة على اختلاف ظروفهم.
ومن هنا يمكن القول بأنه:
تتناسَب عملية توفير سبل الإتاحة وتنَوُّع مصادر المعرفة تناسُباً طردياً.
5-التوسُّع المعرفي الأفقي لأصحاب الظروف البصرية الخاصة.
أتاحت التقنيات المساعدة للمكفوفين وضعاف البصر فُرَصاً غير مسبوقة في تحقيق زيادة نوعية وكَّمِيَّة في الكثير من الاتجاهات المعرفية، فأصبح بإمكان مستخدمي التقنيات المساعدة منهم الاستفادة من الكتب الالكترونية وما جرى مجْراها في الاطلاع على العلوم والمعارف المختلفة، بعد أن كان اطلاع الكفيف قاصراً على المواد التي يدرسها فقط، فأصبح من السهل القول بأن التقنيات المساعدة أسهمت في انتقال عملية اطلاع الكفيف إلى نمط جديد أقرب إلى الموسوعي منه إلى النمط التقليدي، فأصبح من اليسير عليه متابعةْ الكثير من المستجدات العلمية في شتى المجالات.
6-التوسُّع رأسياً في التخصصات العلمية والأكاديمية لِأصحاب الظروف البصرية الخاصة.
أدى توفر التقنيات المساعدة للمستخدم الكفيف إلى طلب المزيد في ذات التخصص الذي سبق أن نالَ منهُ حظَّاً أثناء دراستِهِ الجامعية، ما شجَّع الكثير من طلاب الجامعة المكفوفين وضعاف البصر على المضي قدماً في تحقيق مستوى أفضل في مجالات البحث العلمي وفقا لتخصصاتهم، ويرجع هذا للدور المتنامي للتقنيات المساعدة في تطوير المهارات الأكاديمية والثقافية لهم، بالإضافة إلى إيجاد الكثير من الحلول للمشكلات التي طالما عانى منها الباحث الكفيف، والتي كانت أكثر من أن تُحصى، بدايةً من مشكلات القراءة والكتابة وإيجاد مرافق مبصر مناسب ..... مروراً بزيارات المكتبات العلمية المتخصصة، وجمع البيانات وتحليلها والحصول على المصادر والمراجع العلمية وتوثيقها .... وصولا إلى المشكلات الخاصة بالكتابة والتنسيق والطباعة الخ.
7-توحيد الخبرات التقنية العامة بين المكفوفين والمبصرين.
بعد انتشار أنظمة التشغيل التي تخص أجهزة الحاسب الآلي والهواتف الذكية وغيرها، أصبح للمكفوفين وضعاف البصر نصيبا كبيراً ومتزايداً من سبل الإتاحة التي شملتها تلك الأنظمة ضمن برامجها الأساسية من جانب، بالإضافة إلى الكثير من البرامج المساعدة الأخرى التي تعمل تحت مظلَّة تلك الأنظمة ولكنها من انتاج شركات متخصصة أخرى من جانب آخر، ما أدى بالضرورة إلى استخدام المكفوفين وضعاف البصر لأهم البرامج التي يستخدمها المبصرون بعد توفير قدر من الإتاحة ضمن المخططات البرمجية لها، فعلى سبيل المثال، نجد الكفيف والمبصر يستخدمان نظام التشغيل windows وحزمةْ الأعمال المكتبية Microsoft office، ومن الجدير بالذكر، تفوُّق بعض المكفوفين في تلك البرامج والأنظمة عن أقرانهم المبصرين.
8-اتاحةْ التعلُّم عن بعد للمكفوفين وضعاف البصر.
لم يقتصر دور شبكة المعلومات الدولية internet بالنسبة للمكفوفين على ارتياد مواقع التواصل الشخصي والاجتماعي فقط، بَل أصبح من الممكن عن طريق التقنيات المساعدة تحقيق الكثير من الأهداف التربوية التعليمية، ولعل أبرز المظاهر التي تؤكد ذلك "التعليم عن بعد"، سواء بالشكل المنهجي المنظم الذي تقوم باتباعه الأكاديميات المنتشرة حول العالم والتي تعتمِدُ نظام التعليم عن بعد، أو عن طريق التبادل المعرفي المباشِر بين الأفراد، تلك الطفرة الواسعة التي تشهدها الحياة التعليمية والثقافية للمكفوفين بفضل استخدام التقنيات المساعدة، حيث انتشرت بين المكفوفين دورات تدريبية منظمة في مجالات عديدة، يقوم بإعدادها وإلقائها أشخاص عاديون تارة، ومكفوفون تارةً أخرى، ونذكر منها دورة متقدمة في الهندسة الصوتية أقيمت بجامعةْ سوهاج عام 2013، وهي من اعداد وتقديم د. أحمد عبد الظاهر، وكانت جلسات الدورة ومحاضراتها تُبَثُّ مباشرةً عبر شبكة internet يوميا، وقد اشترك فيها مكفوفون من مصر والمملكة العربية السعودية والجزائر والمغرب والعراق وسوريا وفلسطين وأستراليا، وقد منحتهم الجامعة شهادات اجتياز الدورة بعد اتمامها.
9-التغلُّب على بعض المشكلات المزمنة في تعليم المكفوفين وضعاف البصر.
وفرت التقنيات المساعدة حلولاً بديلة لنوعية أخرى من المشكلات التي لا تخص كف البصر أو ضعفه لدى بعض الأفراد، بالقدر الذي تخص فيه تلك السياسات التعليمية الموجهة للمكفوفين، والتي لم تعُد صالحةً في ظل التغيرات التقنية التي فرضها العصر الراهن، وعلى سبيل المثال، مشكلةْ المتعلم الكفيف في الأزهر، حيث اتبع الأزهر منذ مئات السنين طريقة المشافهة لتعليم المكفوفين، فلا حق للمتعلم الكفيف بالأزهر إلا في الاستماع والحفظ وإعادةْ الإلقاء، مع الحرمان التام من القراءة والكتابة والأنشطة الخ. وقد سارع الكثير من المكفوفين الذين تلقوا تعليمهم بالأزهر إلى الاستفادة من تلك الطفرة التقنية، ما أدى بالكثير منهم إلى سد الهوة العميقة بينه وبين زميله الأزهري المبصر الذي استوفى حظه من التعليم الأزهري كاملا أو يكاد، غير أن تلك الجهود ما زالت فردية ولا ترتقي إلى العمل المنظومي المتكامل الذي يعمل على حل المشكلة من جذورها.
10-امكانية إعادةْ صياغةْ الحياة التعليمية الثقافية للكفيف الأصم.
في كثيرٍ من الأحيان يقترن كف البصر بإعاقة أخرى، ولعل أخطرها أثراً إعاقةْ الصمم، فالكفيف الأصم عادةً ما يفقد القدرة على التواصل مع الآخرين بشكلٍ كُلّي أو جُزئي وفق ما أتيحَ له من أسباب التكيُّف مع عالمه، وقد برزَت نوعية من التقنيات الحديثة التي تخص المكفوفين الصم دون غيرهم، والتي تعمل على استغلال القدرات المتبقية للكفيف الأصم ولا سيما القدرة اللمسية وإعادةْ تدريبها في الاتجاه الذي يعمل على تعزيز التواصل بينه وبين محيطِه، وإعادةْ تأهيلِه بالشكل المنشود، وقد برز العديد منهم عندما توفرت لهم فرص التدريب على استخدام التقنيات الخاصة بهم، ونذكر منهم على سبيل المثال، ذلك الكفيف الأصم الذي أصبحَ محاضِراً في القانون الدولي بإحدى جامعات كندا.
وللحديث بقية إن شاء الله.
في أمان الله.
التقنيات المساعدة للمكفوفين وضعاف البصر.
***********************
قل، ذوي الحقوق الخاصة.
ولا تقل ذوي الاحتياجات الخاصة.
فلنا حقوق، نطلبها بقوة الحق وليس بخجل الاحتياج.
د. أحمد عبد الظاهر
الخبير بالشؤون التربوية والتكنولوجية للمكفوفين.
***********************
محاضرة بتاريخ:
9-10-2018
محاضرة بعنوان
مقدمة عن التقنيات المساعدة للمكفوفين وضعاف البصر.
بسم الله الرحمن الرحيم.
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد.
تُعتبر التكنولوجيا الحديثة بلا منازع أهم سمات العصر الذي نعيش فيه، وهي على تنوُّعِها لا تكاد تُغفِلُ مجالا من مجالات الحياة، ومن تلك المجالات التي تعد مؤشرا لتحديد مستوى تقدُّم هذا المجتمع أو ذاك، مجال رعايةْ المكفوفين، حيث تضع الدول المتقدمة رعاية المعاقين بشكل عام والمكفوفين بشكل خاص، تضعها ضمن أولوياتها سعيا وراء ما ينشُدُه المكفوفون من الاستقلالية والمشاركة الفعالة والفاعِلة في مجتمعاتهم.
وقد نتج عن تلك الجهود تغيُّر كبير في واقع الكفيف الذي يستخدم التقنيات الحديثة، حيث أصبح من اليسير جدا التفريق بين الكفيف الذي يستخدم التقنيات الحديثة في حياته اليومية وغيره من المكفوفين الذين حالت ظروفهم دون ذلك، وعلى ذكر العلاقة بين تمكين المكفوفين ودرجةْ تقدُم المجتمعات؛ يشهد التاريخ بعض الإرهاصات الهامة التي تؤكد الارتباط الطردي بين تقدُّم المجتمع والاهتمام بتعليم المكفوفين من جانب، والتي تؤكد أيضا أسبقيةْ الحضارة العربية الإسلامية في استخدام الكفيف لِحاسةْ اللمس في القراءة والكتابة قبل لويس برايل من جانب آخر.
حيث يتحدث الصفدي في كتابه، "نكت الهميان في نُكَت العميان"، عن تلك التجربة الرائدة للشيخ زين الدين الأميدي والتي وردت كإحدى التجارب التي تشير بوضوح إلى أسبقية عصره في هذا المجال،
يقول الصفدي:
"كان الشيخ الكفيف زين الدين الأميدي يتجر في الكتب، وله كتب كثيرة جداً وكان إذا طُلِب منه كتاب وكان يعلم أنه عنده نهض إلى خزانة كتبه واستخرجه من بينها كأنه قد وضعه لساعته وإن كان الكتاب يتألف من عدة مجلدات وطُلِب منه الأول مثلاً أو الثاني أو الثالث أو غير ذلك أخرجه بعينه وأتى به. وكان يمس الكتاب أولاً ثم يقول: يشتمل هذا الكتاب على كذا وكذا فيكون الأمر كما قال. وإذا أمر يده على الصفحة قال عدد أسطر هذه الصحيفة كذا وكذا سطراً فيها بالقلم الغليظ كذا وهذا الموضع كتب به في الوجهة فيها بالحمرة هذا وهذا لمواضع كتبت فيها بالحمرة. وإن اتفق أنها كتبت بخطين أو ثلاثة، قال: اختلف الخط من هنا إلى هنا، من غير إخلال بشيء مما يُمتحَن به ويعرف أثمان جميع كتبه التي اقتناها بالشراء وذلك أنه كان إذا اشترى كتاباً بشيء معلوم أخذ قطعة ورق خفيفة وفتل منها فتيلة لطيفة وصنعها حرفاً أو أكثر من حروف الهجاء لعدد ثمن الكتاب بحساب الجمل ثم يلصق ذلك على طرف جلد الكتاب من داخل ويلصق فوقه ورقة بقدره لتتأبد فإذا شذ عن ذهنه كمية ثمن كتاب ما من كتبه مس الموضع الذي علمه في ذلك الكتاب بيده فيعرف ثمنه من تنبيت العدد الملصق فيه. وكان لا يفارق الإشغال والاشتغال أبداً وعنده تودد عظيم في حاله وتؤدة تامة في سائر أموره وحركاته وللناس والحكام والرؤساء عليه إقبال عظيم لخيره وفضله وورعه ودينه وعلمه ونزاهته ومروته وتوفي رحمه الله تعالى بعد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة. بقليل والله سبحانه وتعالى أعلم".
انتهى كلام الصفدي.
ومن الجدير بالذكر أن تلك التجربة هي واحدة فقط من اسهامات الحضارة الإسلامية العديدة التي استفاد منها الغرب الأوروبي في تحقيق المتطلبات التربوية التعليمية للمكفوفين،
حيث ذكر المؤرخون أن الغرب الأوربي "قد استفاد من تلك التجارب التي أنتجتها الحضارة الإسلامية، فقد جرت محاولات في أوروبا لتمكين المكفوفين من تعلم القراءة والكتابة، فاستخدموا في ذلك وسائل أوَّلية مثل الحروف الخشبية المحفورة، والكتابة بالأسلاك والدبابيس، وربط الحروف الخشبية بالأسلاك المعدنية ونحو ذلك. وقد جاءت هذه المحاولات متأخرة عن التجارب الاسلامية في كل من الاندلس والمشرق بعدة قرون، وكانت تقليدا لِتجارب المسلمين السابقة، إذ تمت هذه المحاولات أو معظمها إما في البلاد المجاورة للأندلس مباشرة أو القريبة منها، أي في مجال التأثير الحضاري والثقافي للأندلس مثل: فرنسا وايطاليا وسويسرا.
ومن الجدير بالتأَمُّل، وجود قاسم مشترك بين كافةْ محاولات النهوض بتعليم المكفوفين قديماً وحديثا وصولا إلى استخدام التكنولوجيا المساعدة التي أفرزها العصر الراهن، ويتمثَّل ذلك القاسِم المشترك في استغلال الحواس والقدرات المتبقية للفرد الكفيف، حيث أن إعادةْ توظيف وتنظيم تلك القدرات في اتجاه تعويض حاسةْ البصر يُعد الطريق الوحيد الذي يمكن من خلاله النهوض بحياة الكفيف بكافةْ مناحيها.
فالحواس والقدرات المتبقية للكفيف تبقى دائماً بمنزِلةْ الجسور التي تنتقل عبرها المعارِف والخبرات، وعليه فلا بد من النظر إلى تلك القدرات بواقعية بعيدة عن التهويل أو التهوين، فمن الجدير بالذكر أن هناك اعتقاد سائد أن حواس المكفوفين هي أقوى منها لدى غيرهم كنتيجة مباشرة لِكف البصر، فلا تحتاج للتأهيل أو التدريب، ولكن العلم أثبت غير ذلك، (حيث إن كف البصر لا يتبَعه نمواً طبيعيا، أو زيادة تلقائية في الحواس الأخرى، وما يلاحظ عادة عند المكفوفين من حساسية فائقة في بعض حواسهم إنما يرجع في حقيقة الأمر إلى ما أتيح لهذه الحواس من فرص التدريب، ومن ثم فالتجربة والتركيز ينتجان استعمال أفضل ومهارة أكبر في استغلال الحواس كاللمس أو الشم أو السمع.
ففي مجال الشم تقول هيلين كيلر: إني أعرف بمجرد الشم المنزل الذي أدخله وأستطيع أن أتعرف على منزل ريفي قديم الطراز عن طريق ما تركه السكان الذين توالى سكنهم فيه من روائح الأشياء والعطور والأقمشة وأعرف نوع العمل الذي يقوم به بعض الأشخاص من الروائح العالقة بهم مثل روائح الخشب أو الحديد أو البويات أو العقاقير الطبية، وهكذا أميز النجار من الحداد، والفنان من الكيماوي.
انتهى كلام هيلين كيلر.
فإذا فهِمَ القارئ العزيز الأمر على نحوٍ يحدد كف البصر كإعاقة حسية فقط، وإن قصور تلك الحاسة لا يصحبه بالضرورة زيادة أو نقصان في قدرات الكفيف وخصوصاً العقلية منها، كان لذلك أطيب الأثر في تكوين صورة تختلف عن تلك الصورة النمطية التي يختلط فيها كف البصر بالعجز عن أداء الوظائف العقلية الكثيرة، تلك الصورة التي تنتشِر للأسف الشديد في مجتمعاتنا العربية، حيث يرى البعض أن الكفيف لا يجيد من تلك الوظائف إلا الحفظ فقط، ومن المؤلم جدا أن ذلك الاعتقاد تنبني عليه سياسات تعليمية كاملة موجهة للمكفوفين، وكأن قدرات الكفيف جميعها قد اختزلت في القدرة على الحفظ والتكرار فقط، ما يؤكد أهميةْ وخطورةْ القناعات التي يتبناها مسؤولو المؤسسات التعليمية المعنية بتعليم المكفوفين في رسم السياسات التعليمية التي لا بد أن تُواكِب معطيات العصر من جهة، والتي تُراعي قدرات المتعلم الكفيف من جهة أخرى، وخصوصا القدرات العقلية، فكف البصر لا يعني بالضرورة خللا في الوظائف العقلية للطفل الكفيف، فهو يحمل من القدرات ما يؤهله للعمل الذي يتفق وميوله واستعداداته، وهو قادر على المساهمة في
العطاء والمشاركة في البناء الحضاري والتنموي إذا تم تأهيله التأهيل المناسب، مع التأكيد على أن وسائل التقنيات المساعدة للمكفوفين لا بد أن تُقَدَّم في إطار تفاعلي مع قدراته دونما إغفال لإحدِاها، وتأسيساً على ذلك، سينطلق هذا المُُقَرَّر الذي يتم التركيز فيه على التفاعل العقلي المعرفي بين الكفيف وما تبَقَّى لهُ من قدرات من جانب، ووسائل التكنولوجيا المساعدة من جانب آخر، وإنهُ لَمِن دواعي سروري أَن أُدعَى لتقديم ذلك المحتوى للسادة والسيدات طلاب البعثة التعليمية المتخصصة الهادفة إلى رفع مستوى العملية التعليمية في مدارس النور بوزارة التربية والتعليم المصرية، وسوف يتناول هذا المقرر على قدر الإمكان أهم معطيات التقنيات المساعدة من واقع آخر المستجدات التقنية.
ماهية التكنولوجيا المساعدة.
ذهب الكثيرون إلى وضع تعريفات مختلفة للتقنيات المساعدة المقدمة للمعاقين بشكل عام والمكفوفين بشكل خاص، وهي تتباين فيما بينها من حيث دقة الصياغة والشمول، وقد قرأتها جميعا أو معظمها على الأقل، ما ساعدَني على الذهاب إلى التعريف الإجرائي التالي، انطلاقاً من طبيعة المحتوى الدراسي من جهة، وكَوني أحد مستخدمي التقنيات المساعدة للمكفوفين وأحد المهتمين بتطويرها من جهة أخرى.
وعليه فإن التقنيات المساعدة هي:
"كافةْ الأجهزة، والأدوات، والبرامج، والأنظمة، والتجهيزات المستحدَثة التي يمكن استخدامها بشكلٍ تفاعلي مع القدرات المتبقية للشخص المعاق، بُغيَةْ الحد من الآثار المباشرة للإعاقة، وصولاً إلى درجة من التكيُّف والاستقلالية".
وتُعتبَر التقنيات المساعدة ترجمةً صادقةً لتلك الجهود المتنامية التي تعمل على توجيه قدر كبير من الانجازات العلمية في حياة أُلائِكَ الأفراد الذين نالت منهم الإعاقة بشكلٍ أو بآخر، وبدرجةٍ أو بأخرى، سعياً وراء التخفيف من الآثار المباشِرة للإعاقة وإعادةْ توجيه وتأهيل الفرد المعاق لتحقيق ما تسمح به ظروف إعاقته من إثباتٍ لذاته، وتنمية لمهاراته، وتمكينه من العمل على تحقيق الفائدة لنفسِه ولِمجتَمعِه، ولكي نفهم فوائد استخدام التقنيات الحديثة للفرد الكفيف وضعيف البصر في الجوانب التعليمية والثقافية كموضوعٍ رئيسٍ لهذه المادة العلمية، يجدر بنا الإجابة على السؤال التالي:
ما آثار استخدام التقنيات المساعدة للمكفوفين وضعاف البصر?.
الآثار المترتبة على استخدام التقنيات المساعدة للمكفوفين وضعاف البصر في المجالات التعليمية والثقافية.
1-التحرُّر النسبي من الاعتماد على الآخر.
حيث لم يعُد الكفيف ذلك الفرد الذي يعتمِدُ بشكلٍ حتمي على الآخرين في القراءة والكتابة وما إليها من المهام ذات الشأن، وذلك بفضل استخدامه للتقنيات التي تُسَّهِل عليه ذلك بشكلٍ معقولٍ وآخِذٌ في النماء، وتتوقف درجةْ استقلالية الكفيف على مستوى إجادتِهِ للتقنية من جانب، ودرجةْ تلبية تلك التقنية لِمتطلباتِهِ التعليمية الثقافية من جانب آخر، فلم يصبح من المناسب ذلك النداء الذي طالما كان يتردَّد للتعبير عن أهم احتياجات المكفوفين التعليمية، "مُرافِقاً مُبصِراً لكل كفيف"، بَل أصبح من المناسب جدا رفع الأصوات بطلب حاسب آلي لكل كفيف، ناهيك عن التبعات المادية والمعنوية الكثيرة التي كان الكفيف يتكلفُها في معظم الأحيان جرَّاء اعتمادِهِ الدائم على الغير.
2-تحسين جودة التعليم لأصحاب الظروف البصرية الخاصة.
من المعروف في كافة الأوساط التعليمية على مستوى العالم، أن العملية التعليمية بشكلٍ عام رهينةً بما أفرزهُ العلم الحديث من مستحدثات تعمل على تحقيق أكبر فائدة في أقل وقت وبأقل مجهود، ولم تُستثنى فئة المكفوفين وضعاف البصر من تلك الطفرة التي أدَّت إلى تفوق الكثيرين منهم في مختلف المجالات، ومنهم من تقلَّدَ مناصب كثيرة كانت أبعد ما تكون عن أي كفيف في العالم، ومن ذلك، وزيرةْ مواصلات هولندية سابقة، ووزير داخلية سابق في إنجلترا، وقاضٍ أسباني الخ.
وعليه، فإن جودةْ التعليم مقرونَةً بإتاحةْ الفُرَص للجميع، تدورُ معها حيثما دارَت، فمن المؤكد أن وزير الداخلية الكفيف قد درس العلوم القانونية والمدنية والجنائية وغيرها، ومن المؤكد أيضاً أن وزيرةْ المواصلات الكفيفة قد درستْ العلوم المتصلة بهندسةْ الطرُق والخطوط الملاحية الخ، ومن المؤكد أخيراً أن التعليم التراثي التقليدي لا يمكن وحده تحقيق تعليم أفضل في وقتٍ تتسابق فيه المجتمعات إلى التطوير المستمر في كافة معطيات العملية التعليمية للمعاقين والأصحاء على حدٍ سواء.
3-تنوُّع وسائل اكتساب المعرفة.
وفَّرَت التقنيات الحديثة كثيراً من البدائل الغنية التي تتناسَب ومعظم اختيارات أصحاب الظروف البصرية الخاصة في عملية اكتساب المعارف والخبرات، فمن المعروف أن بعض المكفوفين يُفضِلون اكتساب المعرفة عن طريق الوسائل التي تستخدم حاسةْ اللمس، وغيرهم من المكفوفين لا يستطيع الاستغناء عن الوسائل السمعية، وغيرهم يستطيع الاستفادة من الوسائل السمعية اللمسية.
وليس أدَل على ذلك من كلام الدكتور طَهَ حسين في كتاب الأيام الذي أورد فيه جانِباً من سيرته الذاتية.
يقول طَهَ حسين.
"وأقبل الفتى على الكتابة البارزة يتعلمها، فلم يلبث أن أحسنها، ولكنه عندما حاول أن ينتفع بها في درسه لم يجد إلى الانتفاع بها سبيلًا؛ فلم تكن الكتب التي كان يحتاج إلى قراءتها قد طبعت على هذه الطريقة الخاصة، وكان ربما أتيح له الكتاب المطبوع على هذه الطريقة، فلا يكاد يأخذ في قراءته حتى يضيق بهذه القراءة أشد الضيق، وينفر منها أعظم النفور، فهو قد تعود أن يأخذ العلم بأذنيه لا بأصبعه، وهو من أجل ذلك يجد المشقة كل المشقة في تتبع هذه النقط البارزة حتى يؤلف منها الكلمة، ثم يؤلف من الكلمة وأمثالها جملة، ثم يؤلف من هذه الجملة وأمثالها كلامًا يمكن أن يعمل فيه عقله وفهمه وبصيرته. وإذا هو يجد في ذلك عسرًا أيَّ عسر، ويسأم ذلك أشدَّ السأم وأقساه، ويرى أنه يستطيع أن يحصِّل من طريق أذنيه في اللحظات القصيرة ما يحتاج إلى الوقت الطويل والملل الثقيل ليحصِّله من طريق أصابعه.
انتهى كَلام طَهَ حسين،
وبطبيعةْ الحال، فما ينطبق على المكفوفين، لا يمكن أن ينسحب على ضعاف البصر وهكذا.
4-تنوُّع مصادر المعرفة.
أدت التقنيات المساعدة المقدمة لأصحاب الظروف البصرية الخاصة إلى ذلك الثراء النوعي في مصادر المعرفة، فلم يعُد الأمر مرتكِزاً على المطبوعات الورقية العادية أو التي تطبع بطريقةْ برايل فحسب، بَل تعدَّى الأمر ذلك بكثير جدا، فأصبحت الكتب والمحاضرات والدوريات والمجلات التي تزخَر بها مواقع شبكة المعلومات الدولية internet، أصبحت مُتاحة بصورٍ وصيغٍ عديدة، ومن أمثلةْ تلك الصيَغ:
ملف مُسَجَّل بصوت قارء مبصر يمكن سماعُهُ عن طريق الحاسب الآلي أو أحد الهواتف الذكية، ملف نصي يمكن قراءته بأحد برامج قراءةْ الشاشة للمكفوفين، ملف مُسَجَّل بالصوت والصورة بطريقة تتناسب وقدرات ضعاف البصر، ملف بصيغةْ برايل ليتمكن الكفيف الأصم من قراءته على أحد الأسطر الالكترونية التي سيأتي الحديث عنها لاحقا الخ.
ومن المعروف أن أغلب تلك الصيَغ يمكن تداوُلها وانتشارها بسهولة عبر الكثير من الوسائل المختلفة، ناهيك عن السهولة غير المسبوقة في إتاحةْ الحصول على المعلومات والتحقق منها وتوثيقها، ما يُعدُّ إضافةً خطيرةً تصُّبُ في صالح مستخدمي التقنيات المساعدة على اختلاف ظروفهم.
ومن هنا يمكن القول بأنه:
تتناسَب عملية توفير سبل الإتاحة وتنَوُّع مصادر المعرفة تناسُباً طردياً.
5-التوسُّع المعرفي الأفقي لأصحاب الظروف البصرية الخاصة.
أتاحت التقنيات المساعدة للمكفوفين وضعاف البصر فُرَصاً غير مسبوقة في تحقيق زيادة نوعية وكَّمِيَّة في الكثير من الاتجاهات المعرفية، فأصبح بإمكان مستخدمي التقنيات المساعدة منهم الاستفادة من الكتب الالكترونية وما جرى مجْراها في الاطلاع على العلوم والمعارف المختلفة، بعد أن كان اطلاع الكفيف قاصراً على المواد التي يدرسها فقط، فأصبح من السهل القول بأن التقنيات المساعدة أسهمت في انتقال عملية اطلاع الكفيف إلى نمط جديد أقرب إلى الموسوعي منه إلى النمط التقليدي، فأصبح من اليسير عليه متابعةْ الكثير من المستجدات العلمية في شتى المجالات.
6-التوسُّع رأسياً في التخصصات العلمية والأكاديمية لِأصحاب الظروف البصرية الخاصة.
أدى توفر التقنيات المساعدة للمستخدم الكفيف إلى طلب المزيد في ذات التخصص الذي سبق أن نالَ منهُ حظَّاً أثناء دراستِهِ الجامعية، ما شجَّع الكثير من طلاب الجامعة المكفوفين وضعاف البصر على المضي قدماً في تحقيق مستوى أفضل في مجالات البحث العلمي وفقا لتخصصاتهم، ويرجع هذا للدور المتنامي للتقنيات المساعدة في تطوير المهارات الأكاديمية والثقافية لهم، بالإضافة إلى إيجاد الكثير من الحلول للمشكلات التي طالما عانى منها الباحث الكفيف، والتي كانت أكثر من أن تُحصى، بدايةً من مشكلات القراءة والكتابة وإيجاد مرافق مبصر مناسب ..... مروراً بزيارات المكتبات العلمية المتخصصة، وجمع البيانات وتحليلها والحصول على المصادر والمراجع العلمية وتوثيقها .... وصولا إلى المشكلات الخاصة بالكتابة والتنسيق والطباعة الخ.
7-توحيد الخبرات التقنية العامة بين المكفوفين والمبصرين.
بعد انتشار أنظمة التشغيل التي تخص أجهزة الحاسب الآلي والهواتف الذكية وغيرها، أصبح للمكفوفين وضعاف البصر نصيبا كبيراً ومتزايداً من سبل الإتاحة التي شملتها تلك الأنظمة ضمن برامجها الأساسية من جانب، بالإضافة إلى الكثير من البرامج المساعدة الأخرى التي تعمل تحت مظلَّة تلك الأنظمة ولكنها من انتاج شركات متخصصة أخرى من جانب آخر، ما أدى بالضرورة إلى استخدام المكفوفين وضعاف البصر لأهم البرامج التي يستخدمها المبصرون بعد توفير قدر من الإتاحة ضمن المخططات البرمجية لها، فعلى سبيل المثال، نجد الكفيف والمبصر يستخدمان نظام التشغيل windows وحزمةْ الأعمال المكتبية Microsoft office، ومن الجدير بالذكر، تفوُّق بعض المكفوفين في تلك البرامج والأنظمة عن أقرانهم المبصرين.
8-اتاحةْ التعلُّم عن بعد للمكفوفين وضعاف البصر.
لم يقتصر دور شبكة المعلومات الدولية internet بالنسبة للمكفوفين على ارتياد مواقع التواصل الشخصي والاجتماعي فقط، بَل أصبح من الممكن عن طريق التقنيات المساعدة تحقيق الكثير من الأهداف التربوية التعليمية، ولعل أبرز المظاهر التي تؤكد ذلك "التعليم عن بعد"، سواء بالشكل المنهجي المنظم الذي تقوم باتباعه الأكاديميات المنتشرة حول العالم والتي تعتمِدُ نظام التعليم عن بعد، أو عن طريق التبادل المعرفي المباشِر بين الأفراد، تلك الطفرة الواسعة التي تشهدها الحياة التعليمية والثقافية للمكفوفين بفضل استخدام التقنيات المساعدة، حيث انتشرت بين المكفوفين دورات تدريبية منظمة في مجالات عديدة، يقوم بإعدادها وإلقائها أشخاص عاديون تارة، ومكفوفون تارةً أخرى، ونذكر منها دورة متقدمة في الهندسة الصوتية أقيمت بجامعةْ سوهاج عام 2013، وهي من اعداد وتقديم د. أحمد عبد الظاهر، وكانت جلسات الدورة ومحاضراتها تُبَثُّ مباشرةً عبر شبكة internet يوميا، وقد اشترك فيها مكفوفون من مصر والمملكة العربية السعودية والجزائر والمغرب والعراق وسوريا وفلسطين وأستراليا، وقد منحتهم الجامعة شهادات اجتياز الدورة بعد اتمامها.
9-التغلُّب على بعض المشكلات المزمنة في تعليم المكفوفين وضعاف البصر.
وفرت التقنيات المساعدة حلولاً بديلة لنوعية أخرى من المشكلات التي لا تخص كف البصر أو ضعفه لدى بعض الأفراد، بالقدر الذي تخص فيه تلك السياسات التعليمية الموجهة للمكفوفين، والتي لم تعُد صالحةً في ظل التغيرات التقنية التي فرضها العصر الراهن، وعلى سبيل المثال، مشكلةْ المتعلم الكفيف في الأزهر، حيث اتبع الأزهر منذ مئات السنين طريقة المشافهة لتعليم المكفوفين، فلا حق للمتعلم الكفيف بالأزهر إلا في الاستماع والحفظ وإعادةْ الإلقاء، مع الحرمان التام من القراءة والكتابة والأنشطة الخ. وقد سارع الكثير من المكفوفين الذين تلقوا تعليمهم بالأزهر إلى الاستفادة من تلك الطفرة التقنية، ما أدى بالكثير منهم إلى سد الهوة العميقة بينه وبين زميله الأزهري المبصر الذي استوفى حظه من التعليم الأزهري كاملا أو يكاد، غير أن تلك الجهود ما زالت فردية ولا ترتقي إلى العمل المنظومي المتكامل الذي يعمل على حل المشكلة من جذورها.
10-امكانية إعادةْ صياغةْ الحياة التعليمية الثقافية للكفيف الأصم.
في كثيرٍ من الأحيان يقترن كف البصر بإعاقة أخرى، ولعل أخطرها أثراً إعاقةْ الصمم، فالكفيف الأصم عادةً ما يفقد القدرة على التواصل مع الآخرين بشكلٍ كُلّي أو جُزئي وفق ما أتيحَ له من أسباب التكيُّف مع عالمه، وقد برزَت نوعية من التقنيات الحديثة التي تخص المكفوفين الصم دون غيرهم، والتي تعمل على استغلال القدرات المتبقية للكفيف الأصم ولا سيما القدرة اللمسية وإعادةْ تدريبها في الاتجاه الذي يعمل على تعزيز التواصل بينه وبين محيطِه، وإعادةْ تأهيلِه بالشكل المنشود، وقد برز العديد منهم عندما توفرت لهم فرص التدريب على استخدام التقنيات الخاصة بهم، ونذكر منهم على سبيل المثال، ذلك الكفيف الأصم الذي أصبحَ محاضِراً في القانون الدولي بإحدى جامعات كندا.
وللحديث بقية إن شاء الله.
في أمان الله.
اقتبس من أيمن قاسم في 21 ديسمبر، 2018, 4:46 مالسلام عليكم
مشكور د. أحمد عبد الظاهر واصل في نشر المواضيع المفيدة فنحنو نتابع
عندي سؤال فقط
متى ستنشر المحاضرة الثانية لبرنامج الريبر؟
أرجو أن تنشرها في أقرب وقت لأنني صراحة لم أعد قادرا على الإنتظار .
السلام عليكم
مشكور د. أحمد عبد الظاهر واصل في نشر المواضيع المفيدة فنحنو نتابع
عندي سؤال فقط
متى ستنشر المحاضرة الثانية لبرنامج الريبر؟
أرجو أن تنشرها في أقرب وقت لأنني صراحة لم أعد قادرا على الإنتظار .